أسما مراد إحدى النساء اللواتي تبحثن عن الحرية

أسما مراد واحدة من الأمهات المناضلات التي تعرضت لكل أنواع العنف من قبل النظام السوري لأنها كانت تسعى من أجل قضية الحرية. أسما مراد، التي التقت بالقائد عبد الله أوجلان والتي ترتدي الأسود منذ 23 عاماً، تقول في ذكرى مؤامرة 15 شباط/فبراير “أمام العالم أجمع، أحترم وأتبع قضية القائد أوجلان”.

 

قامشلو – هناك العديد من الأمثلة على النساء المقاومات في روج آفا بشمال وشرق سوريا اللواتي عانين من جميع أشكال العنف الاجتماعي والأسري وعنف الدولة من أجل الحرية. تستحق هؤلاء الأمهات أن ينحني المرء أمام نضالهن وتسطير حياتهن على صفحات التاريخ. أسما مراد 64 عاماً، ولدت في شمال كردستان وتعيش حالياً في ناحية كركي لكي التابعة لديرك. وتناضل منذ سنوات من أجل قضية الكرد وكردستان ومن أجل حرية جميع الشعوب. اعتقلها النظام السوري عدة مرات بسبب قضيتها وقيمها المقدسة، وهي ترتدي اللون الأسود منذ يوم بدء المؤامرة الدولية ضد القائد عبد الله أوجلان. ونورد لكم فيما يلي قصة حياة أسما مراد ونضالها وإرادتها.

 

“بذلت جهود كبيرة من أجل ضمان ديمومة مكتسبات الثورة”

قالت أسما مراد عن حياتها ونضالها “ولدت في شمال كردستان لكن منذ طفولتنا أتينا للعيش في روج آفا وتزوجت هنا. في ذلك الوقت لم ندرك شيئاً عن حياتنا، فقط كنا مجرد ربات منازل، لم تمنح لنا أية منظمة الحياة والحرية ولم تفسح المجال أمام النساء. عندما تزوجت في سن مبكرة لم يكن لدي خيار آخر، فرض علي ابن عمي وفُرضت عليّ كل تقاليد المجتمع. وأصبح لدي أطفال ومسؤوليات، لقد تحملت الكثير من المعاناة والألم. قبل أن أنضم إلى النضال، كنت أذهب أحياناً إلى شمال كردستان مع والدتي وكنا نسمع الأخبار عن حركة طلابية. لقد لفتت انتباهي حقاً وأردت التعرف عليها أكثر لذلك تابعتها. في الثمانينيات تطور عمل حركة الحرية في روج آفا، ولأن لدي فكرة مسبقة عنهم، انضممت إلى النضال هنا وكنت من رواده”.

 

“بعد انضمامنا إلى النضال، طرأت تغييرات جوهرية في حياتنا”

شددت أسما مراد على أهمية نضال المرأة “كنت أعلم أن الثورات التي ظهرت قبل حركتنا لم تجلب أي حقوق للمرأة، لذلك فإن نساء روج آفا عندما كن تنظرن الي وأنا امرأة تعمل بمفردها في هذه المنطقة، كان الأمر يثير استغرابهن. دائماً كانوا يقولون لي، عما تبحثين؟ في روج آفا أيضاً، تم فرض قيود صارمة على إرادة المرأة، وكسرنا هذا التقليد بشجاعة وتصميم. منذ أن كنت طفلة كنت أشعر بالكراهية اتجاه هذه التقاليد وأرغب في كسرها، في اليوم الذي تم اختياري لابن عمي، كان علي أن أتمرد لكنني لم أعرف السبيل إلى ذلك. أشركت أيضاً عددا قليلاً من النساء في النضال، ولذا بدأ عملنا مع مجموعة صغيرة في جميع أنحاء المنطقة. أي أننا كنا نعمل مادياً وروحياً بروح معنوية عالية، لم يكن سبق لنا وأن ناضلنا من أجل ذواتنا، وعندما سنحت لنا الفرصة عملنا كل ما بوسعنا. لقد حدثت تغيرات جوهرية في حياتنا وما زال يقال لنا لولا نضالكم لما تطور هذا المجتمع. كانت هناك صعوبات في عملنا، كنا نناضل وكنا تحت المراقبة.  لكننا لم نتوقف أبداً. مجتمعنا لم يكن قد اعتاد بعد على الحرية. لم نكن خائفين من النظام ولم نلوم المجتمع ولكننا كنا نضع اللبنات الأساسية لهذه الثورة”.

 

“القائد عبد الله أوجلان قام بتدريب النساء حتى نتمكن من إدارة أنفسنا”

وعبرت أسما مراد عن سعادتها بلقائها مع القائد عبد الله أوجلان “في 15 آب 1991، توافد الناس من جميع مدن روج آفا للقاء القائد أوجلان في لبنان. لقد كان الأهالي متحمسين وسعداء وكأن كردستان تحررت، بسبب الأوضاع عاد قسم من الأهالي، وبقي قسم منهم في المعسكر. في وقت متأخر من الليل، كان الوضع هادئاً بعض الشيء، وخرج القائد للتحدث إلينا، وتحدث عن المرحلة. في اليوم التالي أعددنا أنفسنا للعودة، قيل لنا إن القائد يريد رؤيتكم، لقد كنت سعيدة جداً لأنني لم أفقد فرصتي، لقد جلست هذه المرة في الصف الأمامي. كانت هناك أيضاً الشهيد ساكينة جانسيز، وقد صافحتها بحرارة أيضاً، تحدث القائد أوجلان إلينا لبضع ساعات، قال لنا إنكم يجب أن تعملوا على إدارة أنفسكم بأنفسكم، وألا تكونوا أداة في أيدي أي نظام. قال لنا العديد من الكلمات القيمة وأشاد بحرية المرأة وعلق على هذه النقطة المهمة. ربما لا أستطيع أن أقول كل الكلام، لأن حديث القائد أوجلان كان متناسقاً. كنت سعيدة وفخورة برؤيته”.

 

“بعد انتفاضة 12 آذار بدأ النظام بالاعتقالات”

ووصفت أسما مراد مرحلة الاعتقال في سجون النظام السوري بالقول “بالطبع في نهاية كل عملية بناء من الصفر سندفع الثمن أيضاً، وسنضع نصب أعيينا كل شيء بما ذلك الاعتقال والسجن وحتى الاستشهاد. بعد أن اتفقت الدولة التركية والنظام السوري وأبرمت العلاقات بينهم فيما يتعلق بقضية حركة الحرية، وعقدوا الصفقات على قضيتنا، زادت الصعوبات بالنسبة لنضالنا. وبدأ النظام بوضعنا تحت المراقبة، وكانت تصلهم التقارير حول جميع تحركاتنا. في عام 2004 طلبت مني الدولة التوقيع على وثيقة بعدم مغادرة المنزل، لكنني لم أمنحهم توقيعي. بعد 12 آذار، أرادوا اعتقالي وكانوا بانتظار أي ذريعة، وخلال هذه الفترة كانت هناك احتجاجات كثيرة، وانتفض الكرد في سائر المدن”.

 

“لا زالت آثار تعذيب النظام السوري بادية على جسدي”

وحول التعذيب على يد النظام السوري قالت أسما مراد “شاركت في الفعاليات وشاركت في تنظيم المسيرات وأصبحنا درعاً لهذه الانتفاضة. عندما خمدت نار انتفاضة 12 آذار، أي بعد شهر داهم النظام منزلنا، تم تقييد يدي ونقلي إلى الحسكة. تم إطلاق سراحي بعد 15 يوماً من التحقيق، لكنهم أجبروا أحد شيوخ القبائل على التوقيع بدلاً عني حتى لا أتمكن من النضال. وطلبوا مني التنازل عن هذه القضية. قلت لن أتنازل عن القضية، وليس هناك ما أخجل منه ولم أفعل ما هو معيب حتى أتخلى عن قضية الحرية.  في عام 2009 اعتقلني النظام مرة أخرى أنا وأختي أيهان بسبب حملة التبرعات الموسمية، وهذه المرة نقلونا إلى دمشق”.

 

“أنا وأختي أضربنا عن الطعام في السجن”

وتابعت “في السجن أضربنا أنا وأختي عن الطعام، لأننا كنا محرومتين من حقوقنا كسجناء، جميع السجناء الذين ارتكبوا جنح أخلاقية كان يسمح لهم باستخدام الهواتف ليتحدثوا مع عائلاتهم، ولكن ولأن قضيتنا سياسية لم تكن عائلاتنا تعرف مكاننا حتى بعد شهر من اعتقالنا. استمرت فعاليتنا لمدة سبعة أيام، وبعد ذلك أتيحت لنا الفرصة للتحدث مع عائلاتنا، وعلى هذا الأساس أنهينا النشاط، وبعد شهر تم إطلاق سراحنا. في عام 2010 داهموا منازلنا مجدداً، بل وجلبوا قواتهم من قامشلو إلى كركي لكي، هذه المرة وجهت إلينا تهمة الإرهاب، وتم اعتقالنا أنا وأختي من بيوتنا تحت الضرب والإهانة. نقلونا مجدداً إلى دمشق وانتقلنا بين سجون فلسطين، الفيحاء، ودوما، والسجن العسكري، وتم نقلي إلى سجن حلب، وهكذا تجولت بين السجون لعدة أشهر. تخيلوا أن امرأة كبيرة في السن يتم نقلها من سجن إلى سجن وهي مكبلة اليدين. عندما تم إحضاري إلى المحكمة، تحدثوا أولاً عن لباسي الأسود الذي ارتديه منذ اعتقال القائد أوجلان، قال لي القاضي ألا تخجلين وأنت ترتدين الأسود حزناً على رجل، وأنا أجبته، ألا تخجل أنت من نفسك وأنت تحاكم امرأة. لقد جعلته يخجل من سؤاله. في الحقيقة لقد عانيت كثيراً، ولا زالت آثار التعذيب والعنف بادية على جسدي، ومع ذلك لا زلت متمسكة بنهج الحرية، ولم يتمكن الأعداء من ترهيبي. وهكذا كنا نتعرض للاعتقال إلى أن اندلعت ثورة روج آفا”.

واختتمت اسما مراد حديثها مستذكرةً المؤامرة الدولية ضد القائد عبد الله أوجلان “خطط للمؤامرة الدولية، وكانت الدولة التركية تهدد سوريا بتسليم القائد أوجلان لها. من أجل سلامة الشعب السوري، غادر القائد سوريا. فبالنسبة له لم يكن هناك مكان في هذا العالم وحتى الآن لا يوجد مكان لقضيته. نفذ أعداؤنا مؤامرة مؤسفة ضد قائدنا، الخامس عشر من شباط هو يوم مؤلم لن أنساه أبداً. لقد كنت أمام التلفاز عندما رأيت القائد معصوب العينين وسلموه للدولة التركية الفاشية، وقد أغمي علي وقتها.

مرارة تلك اللحظة لا زالت في ذاكرتي ولا أستطيع نسيانها، ولا زالت تتغلل في عروقي. وفي ذلك اليوم قطعت وعداً على نفسي بارتداء الأسود حزناً على القائد أوجلان، أنا وشقيقتي آيهان قمنا بقص ضفائرنا وارتدينا الأسود.

حتى الآن لم أحصل على أي من ملذات الحياة ولم أشارك في الأعراس والحفلات، والزينة التي تستخدمها النساء. أمام العالم أجمع، أحترم وأتبع قضية القائد أوجلان. الجميع وقف ضدي بسبب هذا الحزن، العائلة والزوج والمجتمع والدولة، ولكنني رفضت كل شيء، لقد عقدت الحزن والسواد منذ 23 عاماً كاملة. قد لا تكون جهودي ونضالي كافياً، ولكنني سأظل وفية لقيم القائد وأدافع عن قيمه طالما بقيت على قيد الحياة”.