الفترة المقبلة ستشهد أوضاعا أكثر سوءا، وستتحمل المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف الأثر الأكبر من الأزمات، وفق متخصصين.
يعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية طاحنة، وصفها البنك الدولي بواحدة من أسوأ 3 أزمات منذ 150 عاما.
داخليا، يتنوع تأثير الأزمة في البلد، الذي عانى من أزمة اقتصادية ومالية أدت إلى قيام ثورة عام 2019، وتبعها تأثير كوفيد-19 على البلاد، ثم كارثة انفجار مرفأ بيروت وانهيار الوضع الاقتصادي بالكامل.
ولأن وقع الأزمات غير محايد بالنسبة للجنسين، تأثرت النساء في لبنان بشكل مضاعف على كافة المستويات، وتطوّر الوضع من سيئ إلى أسوأ ماليا واقتصاديا واجتماعيا.
تقول الخبيرة في النوع الاجتماعي “الجندر” (Gender) راغدة غملوش “خلال النزاعات والأزمات يصبح النساء والأطفال والفئات المهمشة أكثر تأثرا باعتبارهم الحلقة الأضعف، وبالحديث عن الجنسين تتحمل المرأة تأثيرا مضاعفا رغم المعطيات المتماثلة”.
اقتصاديا
على المستوى الاقتصادي، يظهر التأثير بشكل واضح على اللبنانيات في مؤشرات البطالة.
كانت دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بعنوان “النساء على حافة الانهيار الاقتصادي.. تقييم التأثيرات المتباينة للأزمة الاقتصادية على النساء في لبنان”، قد توقعت أن نسبة بطالة النساء التي كانت 14.3% قبل الأزمة سترتفع إلى 26% في سبتمبر/أيلول 2020، فضلا عن انخفاض عدد العاملات بمقدار 22%، ووصول عدد اللواتي كن يعملن في السابق لكنهن توقفن عن العمل لأنهن إما فقدن وظائفهن وإما خرجن من سوق العمل تماما، إلى ما يقرب من 110 آلاف امرأة.
تقول راغدة للجزيرة نت “تزامن الأزمة الاقتصادية مع كورونا والحجر الصحي أدى إلى زيادة أعداد البطالة خاصة بين النساء”.
وتضيف أن أغلب النساء اضطررن إلى ترك أعمالهن مدفوعة الأجر لرعاية الأسرة والاهتمام بالأطفال والقيام بالمهام المنزلية غير مدفوعة الأجر، مما أدى إلى زيادة غير مسبوقة للبطالة بين النساء.
ووفقا لراغدة، لم يتوقف تأثير ذلك على المرأة فقط التي فقدت مصدر دخلها، لكن الأسرة تأثرت أيضا بانخفاض الدخل، وتأثر المجتمع بانخفاض اليد العاملة وتنمية المجتمع.
اجتماعيا
تعرضت ثلث النساء حول العالم لشكل من أشكال العنف في حياتهن، وأدت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كـوفيد-19، وكذلك القيود المفروضة على الحركة، إلى زيادة كبيرة في عدد النساء والفتيات اللواتي يواجهن الإساءة في جميع الدول تقريبا.
ووفقا لبيانات للأمم المتحدة، فإنه منذ بدء انتشار كوفيد-19، تضاعف عدد المكالمات على خطوط مساعدة النساء المعنفات في دولتي لبنان وماليزيا مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
توضح راغدة أن حالة الإغلاق التي فرضت بسبب كورونا، أدت إلى وجود المرأة الدائم مع معنفها، قائلة “كأنك تترك مسجونا مع سجانه طوال الوقت”.
وأضافت أن قوى الأمن الداخلي اللبناني أعلنت عن ارتفاع حالات التبليغ عن العنف الأسري ضد النساء بنسبة 180%، وتتابع “كما أن المنظمات الأهلية لديها أرقام بالآلاف عن حالات عنف ممنهج ضد النساء”
وتتوقع راغدة ارتفاعا أكبر في حالات العنف ضد المرأة خلال الفترة القادمة، فـ”مع تدهور الأوضاع الاقتصادية تزداد وتيرة العنف ضد النساء بشكل كبير جدا”، موضحة أن ذلك الوضع أظهر هشاشة البنية التحتية لخدمات حماية النساء من العنف، حيث “ظهرت ثغرات عدة على مستوى خدمات حماية المرأة، واكتشفنا عدم وجود نظام سريع لحماية النساء من مختلف المؤسسات”.
الأطفال
ترك وباء كوفيد-19، بالإضافة للوضع الاقتصادي المتدهور بشكل كبير الذي سببته انفجارات مرفأ بيروت، أثرا كبيرا على الأطفال عامة، وعلى الأطفال في سن المدرسة خاصة.
فبحسب منظمة اليونيسيف (UNICEF)، تأثر 1.2 مليون طفل في لبنان في سن التعليم بإغلاق المدارس، ويواجه العديد منهم تحديات في التعلم الإلكتروني كعدم كفاية أو انعدام الإنترنت والتجهيزات الإلكترونية اللازمة وغيرها.
وتوضح راغدة أن التأثير التربوي بسبب تلك الضغوط وقع على الأطفال والشباب من الجنسين، لكنه كان واضحا على الإناث أكثر خاصة في المناطق الريفية.
وتقول راغدة “بسبب التعليم الإلكتروني، ووضع الإنترنت والتكلفة الأكثر، حدثت في المناطق الريفية مفاضلة لصالح تعليم الذكور على البنات، وتوقفت بعض البنات عن التعليم حتى يكمل الصبي تعليمه”.
ضريبة تهميش المرأة
تعتقد راغدة أن غياب النساء عن مراكز اتخاذ القرار ساهم بشكل أو بآخر في زيادة تدهور الأوضاع في لبنان وعدم القدرة على السيطرة عليها.
مرأة
|
لبنان
تهميش وعنف.. لماذا تدفع المرأة اللبنانية ثمن الأزمة مضاعفا؟
الفترة المقبلة ستشهد أوضاعا أكثر سوءا، وستتحمل المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف الأثر الأكبر من الأزمات، وفق متخصصين.
أكبر ثغرة اتضحت من الأزمات المتتالية هي غياب النساء عن مواقع اتخاذ القرار على مختلف المستويات (رويترز)
أكبر ثغرة اتضحت من الأزمات المتتالية هي غياب النساء عن مواقع اتخاذ القرار على مختلف المستويات (رويترز)
فريدة أحمد
22/8/2021-آخر تحديث: 22/8/2021-11:53 PM (مكة المكرمة)
يعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية طاحنة، وصفها البنك الدولي بواحدة من أسوأ 3 أزمات منذ 150 عاما.
داخليا، يتنوع تأثير الأزمة في البلد، الذي عانى من أزمة اقتصادية ومالية أدت إلى قيام ثورة عام 2019، وتبعها تأثير كوفيد-19 على البلاد، ثم كارثة انفجار مرفأ بيروت وانهيار الوضع الاقتصادي بالكامل.
اقرأ أيضا
لماذا يعتقد البعض أن الزيجات التي فيها المرأة أنحف من الرجل تكون سعيدة؟
شعارها “خلي المرأة تحكم”.. فوزية حاج آدم أول صومالية تعلن عزمها خوض انتخابات الرئاسة
“تحت سماء أليس”.. ابنة الريف السويسري التي سحرها لبنان ومزقتها الحرب
بيروت مدينة الأحزان.. أفلام مهمة تناولت الأزمات اللبنانية المتلاحقة
ولأن وقع الأزمات غير محايد بالنسبة للجنسين، تأثرت النساء في لبنان بشكل مضاعف على كافة المستويات، وتطوّر الوضع من سيئ إلى أسوأ ماليا واقتصاديا واجتماعيا.
تقول الخبيرة في النوع الاجتماعي “الجندر” (Gender) راغدة غملوش “خلال النزاعات والأزمات يصبح النساء والأطفال والفئات المهمشة أكثر تأثرا باعتبارهم الحلقة الأضعف، وبالحديث عن الجنسين تتحمل المرأة تأثيرا مضاعفا رغم المعطيات المتماثلة”.
اقتصاديا
على المستوى الاقتصادي، يظهر التأثير بشكل واضح على اللبنانيات في مؤشرات البطالة.
كانت دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بعنوان “النساء على حافة الانهيار الاقتصادي.. تقييم التأثيرات المتباينة للأزمة الاقتصادية على النساء في لبنان”، قد توقعت أن نسبة بطالة النساء التي كانت 14.3% قبل الأزمة سترتفع إلى 26% في سبتمبر/أيلول 2020، فضلا عن انخفاض عدد العاملات بمقدار 22%، ووصول عدد اللواتي كن يعملن في السابق لكنهن توقفن عن العمل لأنهن إما فقدن وظائفهن وإما خرجن من سوق العمل تماما، إلى ما يقرب من 110 آلاف امرأة.
تقول راغدة للجزيرة نت “تزامن الأزمة الاقتصادية مع كورونا والحجر الصحي أدى إلى زيادة أعداد البطالة خاصة بين النساء”.
وتضيف أن أغلب النساء اضطررن إلى ترك أعمالهن مدفوعة الأجر لرعاية الأسرة والاهتمام بالأطفال والقيام بالمهام المنزلية غير مدفوعة الأجر، مما أدى إلى زيادة غير مسبوقة للبطالة بين النساء.
ووفقا لراغدة، لم يتوقف تأثير ذلك على المرأة فقط التي فقدت مصدر دخلها، لكن الأسرة تأثرت أيضا بانخفاض الدخل، وتأثر المجتمع بانخفاض اليد العاملة وتنمية المجتمع.
منذ بدء انتشار كوفيد-19 تضاعف عدد المكالمات على خطوط مساعدة النساء المعنفات في دولتي لبنان وماليزيا (الجزيرة)
اجتماعيا
تعرضت ثلث النساء حول العالم لشكل من أشكال العنف في حياتهن، وأدت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كـوفيد-19، وكذلك القيود المفروضة على الحركة، إلى زيادة كبيرة في عدد النساء والفتيات اللواتي يواجهن الإساءة في جميع الدول تقريبا.
ووفقا لبيانات للأمم المتحدة، فإنه منذ بدء انتشار كوفيد-19، تضاعف عدد المكالمات على خطوط مساعدة النساء المعنفات في دولتي لبنان وماليزيا مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
توضح راغدة أن حالة الإغلاق التي فرضت بسبب كورونا، أدت إلى وجود المرأة الدائم مع معنفها، قائلة “كأنك تترك مسجونا مع سجانه طوال الوقت”.
وأضافت أن قوى الأمن الداخلي اللبناني أعلنت عن ارتفاع حالات التبليغ عن العنف الأسري ضد النساء بنسبة 180%، وتتابع “كما أن المنظمات الأهلية لديها أرقام بالآلاف عن حالات عنف ممنهج ضد النساء”.
وتتوقع راغدة ارتفاعا أكبر في حالات العنف ضد المرأة خلال الفترة القادمة، فـ”مع تدهور الأوضاع الاقتصادية تزداد وتيرة العنف ضد النساء بشكل كبير جدا”، موضحة أن ذلك الوضع أظهر هشاشة البنية التحتية لخدمات حماية النساء من العنف، حيث “ظهرت ثغرات عدة على مستوى خدمات حماية المرأة، واكتشفنا عدم وجود نظام سريع لحماية النساء من مختلف المؤسسات”.
الأطفال
ترك وباء كوفيد-19، بالإضافة للوضع الاقتصادي المتدهور بشكل كبير الذي سببته انفجارات مرفأ بيروت، أثرا كبيرا على الأطفال عامة، وعلى الأطفال في سن المدرسة خاصة.
فبحسب منظمة اليونيسيف (UNICEF)، تأثر 1.2 مليون طفل في لبنان في سن التعليم بإغلاق المدارس، ويواجه العديد منهم تحديات في التعلم الإلكتروني كعدم كفاية أو انعدام الإنترنت والتجهيزات الإلكترونية اللازمة وغيرها.
وتوضح راغدة أن التأثير التربوي بسبب تلك الضغوط وقع على الأطفال والشباب من الجنسين، لكنه كان واضحا على الإناث أكثر خاصة في المناطق الريفية.
وتقول راغدة “بسبب التعليم الإلكتروني، ووضع الإنترنت والتكلفة الأكثر، حدثت في المناطق الريفية مفاضلة لصالح تعليم الذكور على البنات، وتوقفت بعض البنات عن التعليم حتى يكمل الصبي تعليمه”.
بسبب التعليم الإلكتروني وتكلفة الإنترنت حدثت في المناطق الريفية مفاضلة لصالح تعليم الذكور على البنات (بيكسلز)
ضريبة تهميش المرأة
تعتقد راغدة أن غياب النساء عن مراكز اتخاذ القرار ساهم بشكل أو بآخر في زيادة تدهور الأوضاع في لبنان وعدم القدرة على السيطرة عليها.
وتشير إلى قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2000، وباعتماد الحكومة اللبنانية ذلك القرار، يلتزم لبنان بإشراك النساء في الحوارات السياسية وفي جهود بناء السلام، وبزيادة تمثيلهن في القوى الأمنية، كما يلتزم بتشجيع مشاركتهن وتمثيلهن في الحكومة المحلية والوطنية.
وتضيف أن ذلك الأمر لم يحدث مطلقا على أرض الواقع، قائلة “النساء في لبنان رغم تعدد وظائفهن بعيدات تماما عن مراكز اتخاذ القرار”.
وتشير راغدة إلى أنه رغم أن النساء تمثل الغالبية في قطاع التدريس، فإن نقابة المدرسين تخلو من التمثيل النسائي فيها.
وتوضح أن الحكومة شكلت لجنة مصغرة لعمل سلال غذائية للأسر الأكثر فقرا، وكونت اللجنة من 5 ذكور مع غياب التمثيل النسائي.
وأكدت أن أكبر ثغرة اتضحت من الأزمات المتتالية غياب النساء عن مواقع اتخاذ القرار على مختلف المستويات والذي ساهم بشكل كبير في تردي الأوضاع وغياب الخدمات التي تحمي النساء من كافة أشكال العنف.
وتتوقع راغدة أن الفترة المقبلة ستشهد أوضاعا أكثر سوءا، وستتحمل المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف الأثر الأكبر من الأزمات.